2- أول ما نزل من القرآن
أول ما نزل القرآن على وجه الإطلاق قطعاً الآيات الخمس الأولي من سورة العلق، وهي قوله تعالى: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ خَلَقَ الْأِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ عَلَّمَ الْأِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ} [العلق:1- 5]. ثم فتر الوحي مدة، ثم نزلت الآيات الخمس الأولى من سورة المدثر، وزهي قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّر قُمْ فَأَنْذِرْ وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ} [المدثر:1-5]. ففي ((الصحيحين)): صحيح البخاري ومسلم [أخرجه البخاري، كتاب ب دء الوحي، باب 1: كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله صلي الله عليه وسلم...، أصول في التفسير، حديث رقم 3؛ ومسلم كتاب الإيمان باب 73: بدء الوحي إلى رسول الله صلي الله عليه وسلم، حديث رقم 403 [ 252] 160.]. عن عائشة رضي الله عنها في بدء الوحي قالت: حتى جاءه الحقٌّ، وهو في غار حراء، فجاءه الملك فقال اقرأ، فقال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ما أنا بقارئ (يعني لست أعرف القراءة) فذكر الحديث، وفيه ثم قال:{اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} إلى قوله:{عَلَّمَ الْأِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ} [العلق: 5]. وفيهما [أخرجه البخاري، كتاب ب دء الوحي، باب 1: كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله صلي الله عليه وسلم...، أصول في التفسير، حديث رقم 3؛ ومسلم كتاب الإيمان باب 73: بدء الوحي إلى رسول الله صلي الله عليه وسلم، حديث رقم 403 [ 252] 160.] عن جابر رضي الله عنه، أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال وهو يحدث عن فترة الوحي: (بينا أنا أمشي إذ سمعت صوتًا من السماء.... ) فذكر الحديث، وفيه، فأنزل الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّر قُمْ فَأَنْذِرْ وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ} [المدثر:1-5].
وثمت آيات يقال فيها: أول ما نزل، والمراد أول ما نزل باعتبار شيء معين، فتكون أولية مقيدة مثل: حديث جابر رضي الله عنه في ((الصحيحين )) [ أخرجه البخاري، كتاب التفسير، باب 3 قوله: {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ} حديث رقم4924؛ ومسلم كتاب الإيمان باب 73: بدء الوحي إلى رسول الله صلي الله عليه وسلم، حديث رقم 409 [257] 161]. إن أبا سلمة بن عبد الرحمن سأله: أي القرآن أنزل أول؟ قال جابر:{يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ} [المدثر:1] قال أبو سلمة: أنبئت أنه
{اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} [العلق:1] فقال جابر: لا أخبرك إلا بما قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: (جاورت في حراء فلما قضيت جواري هبطت...) فذكر الحديث وفيه: ( فأتيت خديجة فقلت: دثروني، وصبوا علي ماء باردًا، وأنزل علي: {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ} [المدثر:1] إلى قوله:
{وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ} [المدثر:5] ).
فهذه الأولية التي ذكرها جابر ـ رضي الله عنه ـ باعتبار أول ما نزل بعد فترة الوحي، أو أول ما نزل في شأن الرسالة؛ لأن ما نزل من سورة اقرأ ثبتت نبوة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وما نزل من سورة المدثر ثبتت به الرسالة في قوله: {قُمْ فَأَنْذِرْ} [المدثر:2]
ولهذا قال أهل العلم: إن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ نبئ بـ (اقْرَأْ) [العلق:1] وأرسل بـ الْمُدَّثِّرُ) [المدثر:1].